أهلاً أهلاً، كيف الحال؟
سوالف جديدة، عشوائية تمامًا كما يحبّ عقلي!
قصص قصص، فما الحياة إلاّ قصص تُروى
شاع في القرن السابع عشر في فرنسا أسلوب القصص الرمزية «les fables» ، و هي قصص قصيرة أبطالها في الغالب حيوانات، تحمل دروسًا تارةً و تارةً إيحاءاتِِ سياسية و دينية. من بين هذه القصص، قصّة الغراب والثعلب «Le Corbeau et le Renard» التي خطّتها أنامل "Jean de La Fontaine" نقلاً عن "إيسوب" و هو كاتب يوناني.
تقول القصة أن الغراب جلس يدندن فوق غصن شجرة و في منقاره قطعة جبن، مرّ الثعلب بجانبه، و دون أي مقدّمات بدأ الأخير في مدحه و مدح صوته مطالِبا إيّاه بالغناء له. إغترّ الغراب بما سمع، فغنّى و غنّى و الثعلب يصطنع الطرب إلى أن سقطت الجبنة و ظفر بها.
لنغنّ معًا للثعالب، فنحن الغربان في واقِعِنا!
نعم، نحن الغربان في ساحة الثعالب فيها كثر، نغنّي لهذا مرةً و لهذا مرة، نعدِل بينهم كي تغدو قطع الجبن خاصّتنا في أجوافهم.
عنتريّات:
في مطلع قصيدة عنتره، خلاف ما شاع وقتها من الاستهلال ببكاءِِ على الأطلال، قال:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
و هو يعني بهذا "هل ترك الشعراء شيئًا لم يخوضوا فيه؟"
عنترة، مع علمه المُسبق بجواب سؤاله فالشعراء حقًا لم يتركوا واديًا إلا وكتبوا فيه، على الأقل في المجالات التي كان يُتاح له أن يكتب فيها، فقد كتب. ومن الجميل أنّه فعل، فلولا ذلك، لما شهد العالم معلقته الذهبية.
أقول، مهما كان ما تفعله، فلا تفعله لأحد؛ لا تعلّق قيمة ما تفعل بعدد من قام به من قبل، و لا بعدد من يعجبه ما تقوم به. لا تكتب ليوافقك أحد، أكتب لإيصال فكرة، لا تنشد ليتغنّى بصوتك أحد، أنشد لتطرب أنت. لا ترسم لينبهرالناس بلوحاتك، أرسم لشيء فيك أنت. لا يغرنّك تهافت من تهافت على مادّة ما، فالنّاس قد اعتادت السهولة و الاستهلاك، كن أنت، أمّة بنفسك.
و على سيرة عنترة بن شدّاد، فإن له قواعد حرب، و بما أنّنا نحن العرب رجعيون نتغنّى بالسيف في أشعارنا، دعونا نستقِ بعض القواعد الحياتية منها. ورد في كتاب كتاب شرح المعلقات السبع للزوزني:
قيل لعنترة: أنت أشجع الناس وأشدها قال: لا، قيل: فبمَ إذن شاع لك هذا في الناس؟ قال: "كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا ولا أدخل موضعًا لا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله".
"لا أدخل موضعًا لا أرى لي منه مخرجًا"، بمعنى أنّه في الحرب إذا انتقل إلى موقع ما، يتأكّد من أنّ له طريقًا للرجوع. أحبّ أن أسقط هذا على القرارات، من الجيّد أن يفكّر المرء في مسلك إذا "خربت"، تذكّر دائمًا أن تخبئ خطة "ب"، "ج"، "د"!
يقول أيضًا: "كنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله".. مروّع! لكن لنسقط هذا على مهامنا، نبدأ بالسّهل، نقضي عليه، نتحفّز لما بعده و إن كان صعبًا.
و بما أنّنا رجعيون في أعين الكثير، لماذا تزيغ عقولنا لنصبح مثلهم أحيانًأ؟
لماذا لا نؤمن بالخيال؟
نحن نعيش على نفس الأرض التي كلّم فيها سليمانُ النمل، وأحبّ فيها قيسٌ ليلى، وبُنيت فيها الأهرامات العظيمة، ونجا فيها نوحٌ ومَن معه في سفينةٍ بُنيت في الصحراء!
على هذه الأرض، رُفع عيسى إلى السماء، وهتف إبراهيم منادياً ربّه من قلب النار فكانت له بردًا و سلامًا!
هنا سافر محمدٌ من مكّة إلى الأقصى في ليلة واحدة، وهامَ مجنونُ ليلى في الصحارى، وتقاتل عنترة في سبيل حريته ثمّ لعبلة.
في هذه الأرض، دُفن الملوك والعاشقون، وسار الحفاة خلف فكرة، وسُفكت دماء وقُرئت كتبٌ، وزُرعت أحلامٌ، وتهدّمت مدنٌ، ثم بُنيت من جديد.. و مع ذلك، مازلنا نخاف و نتخاذل و نخذل أهدافنا و أحلامنا.
سؤالي؛ لماذا تغلّف نفسك بموضوعيةٍ تافهة؟ لماذا توهم نفسك أن العقلانية هي ما تبني الأمم، وتغفل أنها قد تكون مهدّمها أيضًا؟ لماذا تُسلّم، جازمًا، بما يقوله عقلٌ أثبت مرارًا نقصه؟ لماذا لا توقن في لحظة يائسة أنّ الخلاص بيد اللّه؟ لماذا تقول أنّ عصر المعجزات قد انتهى مع أنّ ربّ المعجزات حيّ لا يموت؟
و بس، دمتم سالمين!